الشئ السوداني تعبير كنا نلجأ إليه أيام الصبا (وما زلنا) حين نعجز عن فهم أقوال وتصرفات الأفراد والجماعات والأحزاب والحكومات التي لاتخضع لمنطق أو حس سليم. يفاجئنا تصرف ما بغرابته وخروجه عن المألوف والمتوقع، فلا نفهمه مهما قلّبنا أوجُهَه وأعملنا فيه الفكر. وحين نعجز عن فك طلاسمه، نلوح بأذرعنا في الهواء في يأس ونقول:" هو الشئ السوداني!" وكان مثلنا القديم والكلاسيكي للشئ السوداني هو القصة المعروفة عن السجّان الذي يقود سجينا من مكان لآخر عبر المدينة الإقليمية الصغيرة، راجلين. يحمل السجّان بندقيته على كتفه، ويسير خلف السجين الذي يتقدمه دون أصفاد. وحين يتوسطان سوق المدينة، يُعلن السجين رغبته في زيارة المراحيض العامة في وسط السوق. يسمح له السجان بذلك دون شك أو تردد، وينتظره عند المدخل. وحين يخرج السجين بعد أن قضى حاجته، يُسلمه السجّان البندقية، ويدخل بدوره إلى المراحيض، بينما ينتظره السجين خارجها. وحين يخرج السجّان، يسترد بندقيته من السجين، ويواصل الإثنان مسيرتهما دون تبادل كلمة واحدة! هذا عندي أبلغ مثال للشئ السوداني. الشئ السوداني يُعبر، في ظنِّي، خير تعبير عن الشخصية السودانية النمطية القديمة، ببساطتها وتعقيداتها، وبرؤيتها المتفردة للدنيا وللبشر، وبردود فعلها المتوقعة حينا وغير المتوقعة غالب الأحيان. مزيج عحيب من الطيبة يُخالطها قدر من الغفلة؛ وكثير من حسن الظن بالدنيا والناس فيه شئ من الشذاجة؛ وفدر كبير من الشهامة والاستعداد الغريزي لمساعدة الغير في عالم يرتاب في من يمد يد المساعدة للغير من الغرباء؛ ونبسيط، مُخل أحيانا، لدنيا آخذة في التعقيد؛ وبراءة قد يرى فيها البعض ضربا من العبط، وفتيل قصير لا صبر معه على ما يُرى كإهانة أو استهانة، وعزّة نفس لأ ترتضي الضيم، مقصودا كان أم غير مقصود. ينطبق ذلك على الأفراد والجماعات، والحكومات على وجه الخصوص. في عام 1965، قطع السودان علاقاته الدبلوماسية مع ألمانيا الغربية (آنذاك) لتبادلها العل --- أكثر
↧