
قبل حوالي اليومين.. استمعت لشكوى مريرة من رجل شرطة يئن من أوضاعه المالية.. هو شاب في مقتبل العمر.. قال لي أنه ينتظر فرصة اغتراب في أي وظيفة.. في أي دولة.. بأي أجر.. لايهم الوظيفة أو الدولة أو الأجر.. حلم الهجرة الماسي الذي تتعلق به هذه الأيام قلوب السودانيين المكلومين. واحد ممن كانوا في مجلسنا.. طفق يكيل للشرطة الاتهامات ويبث حديثاً به كثير من الغبن نحو مؤسسة الشرطة بحالها.. هنا تغير صاحبنا الشرطي (المغبون) تماماً.. وبدأ في الدفاع عن مؤسسته الشرطية بكل حرارة.. بصوت أقرب للغضب.. لكن بكل أدب. قلت للشرطي الشاب .. هنا المحك.. الفرق بين الشعوب المتحضرة.. وتلك المتخلفة.. أن ولاء الشعوب المتخلفة موزون بالعائد المصلحي المادي المباشر من (الولاء).. على سياق .. (أعطنى درهم مال.. أعطك درهم ولاء.. وأعطني قنطار مال.. اعطك قنطار ولاء).. المال مقابل الولاء.. النفس الحرة الأبية.. لا ترهن الولاء لخشونة أو نعومة الحال.. يظل الولاء للمؤسسة التي يعمل وينتمي إليها الإنسان مهما كانت الشكوى مرة من الحال والمال.. الذي يحس أنه مغبون في ما يحصل عليه من أجر في مؤسسته، ليس له إلا سبيلين لا ثالث لهما.. أن "يستقيل" ويترك العمل بحثاً عن حال أفضل.. أو يعمل بكل "ولاء" وحرارة قلب.. مهما كان غبنه وقساوة ما يحصل عليه من عائد. لكن ممارسة التعبير عن الغبن بالتقصير في العمل.. وتمزيق ورقة الانتماء والولاء.. فذلك من طبع "الأسير".. فاقد الحرية.. ذلك الذي يجثو على ركبتيه أمام آسره.. مكسور الجناح والارادة.. إذا كنت تعمل في شركة عامة أو خاصة.. أو حتى في ورشة صغيرة.. أو في أي مؤسسة حكومية .. عادية أو نظامية.. أفصل بين غبنك على مرتبك ووضعك الوظيفي.. وبين ولائك لمؤسستك أو مقر عملك.. فـ (الولاء) لا يُشترى بثمن.. هو احساس من عمق الضمير.. يميز بين المتحضر ذي النفس الأبية الحرة.. والمتخلف المثقل بعُقد الشخصية الدنية غير السوية. نعم.. طالب بتحسين وضعك.. أصرخ بحقوقك.. والتمس ل --- أكثر