
*(تبين لي أن أكثر العمال والأمراء والخلفاء الذين حسنت سياستهم للناس، فحمد الناس أيامهم، إنما هم الذين خالطوا نفوس الأفراد والجماعات والأمم ومازحوها، فأنكشفت لهم أسرارها، ووقفوا على مواطن الضعف والقوة فيها، أما الذين كان نصيبهم من هذه المعرفة النفسية قليلاً فقد تعبوا في سياستهم ووقعوا في الورطات..). - شفيق جبري – كتاب العناصر النفسية في سياسة العرب 1948 .. كان هناك أولاً الفعل التاريخي للأحداث التي تلت وفاة الرسول محمد (ص) وما انتهت إليه قبل أن تبدأ المؤسسة الدينية بمحاولة استيعاب نتائج هذه الأحداث وقوننتها في وقت لاحق بعيد نسبياً، انقسم التحليل التالي للنخبة المثقفة وللمؤسسة الدينية، الذي كان لا بد أن يأخذ شكل خطابات دينية بالضرورة، بين مَنْ برّر مجمل الانقلاب الأموي على الشكل الجنيني للسلطة الذي كان آخذاً بالتبلور في المدينة المنورة، وكرسه أهل السنة فيما بعد على أنه الشكل الصحيح الوحيد للسلطة الشرعية، وبين من عارضه أو نقضه لصالح (سلطة أكثر شرعية) - الشيعة والخوارج. كلا الخطابين أخذ يؤسّس لمفهوماته وأطروحاته . كانت أطروحة العصمة مركزية لدى كلا الطرفين لكن في اتجاهين متعاكسين، بين من رأى أن الأحداث قد أدت إلى إبعاد السلطة عن من (يستحقونها) وفقاً لقانون النسب القبلي، فنسب هذه العصمة لآل البيت. وبين من تفرغ للدفاع عن السلطة القائمة وتكريس شرعيتها فنسب هذه العصمة إلى الصحابة ككتلة أو حتى كأفراد بدرجات متفاوتة رغم أنه قد أنكر فكرة العصمة الفردية ضد الطرف الأول ولو أنه مارسها بشكل مختلف. وقد أصر الخطابان كلاهما على تكريس هذه العصمة وحمايتها بمحرمات مرتبطة بالتكفير، وشكلت هذه العصمة فوق الإنسانية استحواذاً جدياً فرض نفسه على إنتاج المؤسسة الدينية سواء الموالية للسلطة أم المعارضة لها تشددت فيها بشدة لأنها كانت الأساس الوحيد الذي يمكنها من خلاله إعطاء تفسير أخلاقي فوق --- أكثر