كتب إريك أرثر بلير المعروف في عالم الكتابة ب " جورج أورويل" في حدي كتبه عبارة بليغة يقول فيها ( هناك حالة من حالات الانهيار النفسي، إن نؤمن بالحرية، و نناضل من أجلها، و بين أن تعمل وفق الواقع المفروض بكل زيفه و عصبيته، و عدم المبدئية فيه فتسقط الشعارات، كما تسقط أوراق الأشجار الذابلة) و أوراق السياسة تحتاج لعملية تصحيح متواصلة، و تنقيحها من عمليات الزيف، و الشعارات التي فقدت مضامينها الأخلاقية، و الذاكرة في استرجاعها لتاريخ السياسة المعاصر، لا تخلو من هذا الزيف، وتناقضات الخطابات السياسة، حيث إن النخبة السياسية السودانية ألغت ذاكرتها، حتى لا تعرض ذاتها لحسابات هي لا تلجأ إليها و لا تحترمها، و تتعامل مع السياسة بجدل اليوم، دون أية قواعد أو مبادئ تحكمها، اليوم يساري متعصب، و غدا متطرف يميني، اليوم يشارك و يدافع عن النظام الديكتاتوري، و غدا عندما يفقد سطوته يصبح من رافعي شعارات الديمقراطية، يدور مع الشعارات وفقا لمصالحه، فمن الذي يعاتب أو يحاسب، مادام الذاكرة خربة، و الكل يحمل ممحاته، يستخدمها لمقتضيات المصلحة، فلتسقط المبادئ و يزول حتى حب الوطن. هذا ما قاله المتصوف محي الدين بن عربي من قبل ( كل حب تعلق بسبب يزول بزوال السبب) فالسياسيين السودانيين، يعرفون كيف يستطيعون التسلق علي القمم، و لديهم مهارات و قدرات كبيرة تساعدهم لتحقيق ذلك، و لكن يفتقدون لمهارات تساعدهم علي صناعة وطن، لأنه لا يوجد في ذاكرتهم، فبمقاييسهم يعتقدون قد نجحوا في تحقيق إرضاء الذات، و لكن بمقاييس الوطن و بناء الدول يعدوا من الفاشلين، و من هنا يبدأ الصراع حول القيم و الأهداف. و هذا يذكرنا بقول صمويل هانتنتون في كتابه النظام السياسي لمجتمعات متغيرة ( يفتقد المجتمع ذو المؤسسات السياسية الضعيفة، القدرة علي كبح الإفراط في الرغبات الشخصية، و الأنانية الضيقة) و يضيف في فقرة أخري قائلا ( فالسياسي الذي يحاول مضاعفة السلطة، أو غيرها من القيم علي المدى القريب، غالبا ما يضعف --- أكثر
↧