
من أفدح الأخطاء في تشخيص أزمة الأحزاب السودانية ذلك الذي اتجه إلى التكريه في التفرغ السياسي. ولن نفهم استقرار الحزب الشيوعي في الحياة السياسية، مهما كان الرأي فيه، بغير طاقة طاقم المتفرغين الذين تنادوا إليه. وكانوا في صغر سنهم ولهفهم الوطني والاجتماعي لفداء الوطن من الاستعمار وتخيل "الوجود المغاير" مثل الفراشات تحترق في نار الهوى للبلد. وسميتهم "جيل الفراشات" في موضع آخر. كانوا هم "قساوسة" الحركة الشيوعية بتضحية جمة. تركوا الوظيفة بل ركلوها يلبون نداء الحركة الجديدة. كانوا من وراء دولابها، الذي سماه عبد الله عبيد مرة ب"الكليتون". والكليتون هو رأس القاطرة الذي يسهر الليل كله في محطة السكة حديد يجمع العربات القاصدة خطاً ما (مثل بوتسودان) لتنطلق إلى غايتها بوابور أكبر. ويسميه بعضهم ب"صعلوك المحطة" لأنه كثير السهر لا يكاد ينام. تجد في الصورة أعلاه لجنة الحزب القائدة لمدينة عطبرة في 1955 وفيها 3 متفرغين من 9 أعضاء. وهم "كليتون" اللجنة. جلوساً من اليمين: الحاج عبد الرحمن، نقابي، عبد الله عبيد، متفرغ حزبي، أحمد الشامي، متفرغ حزبي، هاشم السعيد، نقابي وقوفاً من اليمين: يوسف حمد، نقابي، الأمين أبو، سكرتير الحزب بالمدينة، تاج السر حسن آدم، نقابي، خضر مبروك، نقابي، هاشم سوركتي، نقابي. بعض سيرة هؤلاء: الأمين حاج الشيخ أبو: جرى فصله مع رفيقه محمد إبراهيم نقد من كلية غردون في1953. ولا أدري هل هو نفسه "عبد العزيز أبو" الذي ورد في "قوالة" منصور خالد لمكتب الاتصالات الأمريكية في 1953 التي فصلناه في كتابنا القادم عن منصور. أحمد شامي: جرى فصله من مدرسة وادي سيدنا عام 1952 في إضراب المدرسة الشهير. فجلس لامتحان السكرتير الإداري ونجح وعمل كاتباً في وزارة الصحة ثم بمصلحة الإحصاء. وطلب الحزب منه التفرغ في 1953 فاستقال من المصلحة. ولم تقبل المصلحة استقالته. فقد كان باشكاتبها عوض أبو زيد (والد مامون) يظن أنه وجد موقعاً أفضل في شركة شل كما فع --- أكثر